هذا ما لاتعرفونه عن عبدالكريم !! (الجزء الثاني) ..

كنا في الجزء الأول قد وصلنا إلى أنه كان علي أن أحسم الأمر ..
أما البقاء في جدة وبلا دراسة أو الرحيل إلى عنيزة بدراسة ..

إحترت كثيرا ..

فكرت ولم أستطع التوصل إلى حل ..

وفي المساء الأخير في جدة ..

طلبني (عمي يحيى) للذهاب معه على سيارته الخاصة للتكلم في هذا الحدث ..

وللمعلومية ..
عمي يحيى هو أستاذ مشارك في جامعة الملك عبدالعزيز بقسم علم الإجتماع ..
أي أنه متخصص في دراسة وحل المشاكل الأسرية !!

أخذني معه وذهب بي ليجول بكل بقعة في جدة ..
في رحلة إستمرت قرابة الثلاث ساعات !!

في بداية الأمر كل ما خططت له في بالي بأني لن أثني قراري وسأبقى على كلمتي ..

كان عمي حكيما معي ومتفاعل بشدة مع كل كلمة أقولها ..

أخذني بالتدريج واستمر في (تليين) رأسي !!

كان له هدف وأراد أن يحققه وهو : لا حياة بلا دراسة ..

والثانية .. لن ينفعني أحد بحياتي إلا (أبي) ..

الحديث يتواصل ..

كنت كلما أنفعلت في حديثي راح عمي (يرخي) الحبل من جهته ..

حتى استطاع أخيرا في إقناعي للرحيل مع أسرتي إلى عنيزة !!

أعادني للمنزل وهو مستمر في توجيهي (والتعديل) من سلوكي .

دخلت المنزل ..
وأبلغت أهلي عن قراري التاريخي بالرحيل معهم !!

ووسط دهشة الجميع حزمت حقائبي إستعدادا للسفر ..

وحكيت لأهلي بأن ذهابي إلى عنيزة هو من أجل الدراسة فقط لا أكثر !!

وفي ظهر الأربعاء الأخير بجدة عشت أصعب وأحزن لحظة في حياتي !!

وداع أمي !!

ما أصعبها من لحظة ..

والتي سأتجاوزها قسرا" عبر هذا الحديث ..

وصلنا إلى عنيزة وسكنا مع (عمتي) في منزلهم حتى نجد لأنفسنا منزلا لنا ..

كان كل تفكيري منصب في (المدرسة) وكيف سأعيش لحظة يوم السبت ؟

وكيف سيكون أصدقائي ؟

وماهي أسماءهم ؟

وبأي حال (سأتقبلهم) ونظرتي عن الحياة كانت (سوداوية) ؟!!

ولا أخفيكم بأني في ذلك الحين كنت كارها العيش في هذه الحياة !!

المهم ..

داومت يوم السبت في أول يوم رسمي في الأسبوع الثالث من الفصل الدراسي الثاني ..

أعطاني مدير المدرسة الحرية في إختيار أي فصل من الفصول الثلاثة ..

اخترت الفصل الأيمن ..
ودخلت على الطلاب في الحصة الرابعة تقريبا ..

دخلت والنظرات الغريبة تتجه إلي ونظراتي الغريبة تتجه إليهم ..

أقرب طاولة وكرسي من الباب في الصف الأول جلست فيه ..

ولأول مرة في حياتي أجلس في مقدمة فصل !!

يتوالى المدرسون وأجيب عن نفس الأسئلة ..

وحتى الطلاب كنت أواجه أسئلة وكأني حينها كنت قادما" من (نيويورك) وليس من جدة !!

في أول الأمر ..
كنت أشاهد أشياء غريبة ..
لم أستوعبها ..

_نشرات (هايلوكسات) !!

_ الثوب والشماغ يبقى على الرأس وحتى موعد النوم !!
وبنفس الشخصيات !!

_ آخر وقت لمشاهد الناس فيه هو الساعة التاسعة مساءا !!

_وحتى (الدش) في بادئ الأمر رفض صاحب المنزل على تركيبه !!

_ إختلاف كبير في عادات كثيرة ..

المهم أني وجدت صعوبة كبيرة في البداية في التأقلم مع الأجواء ..
وخاصة في تكوين الصداقات !!

خرجت مع فصلي في الاسبوع الثاني معهم في إستراحة يومية ..
وهناك بدأت في الدخول معهم وتعرفت على أكثرهم ..

ومن أكثر الأصدقاء الذي لازمتهم هو محمد الصهيل !!

ومن قبله أكيد بأن محمد ناصر القرزعي ساعدني كثيرا في التعرف على هذه الحياة الجديدة !!

وفعلا كانت حياة جديدة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى !!

مر الشهر الأول والنفسية شبه مريضة .. فأحيانا أحس بالراحة وأحيانا" لا ..

وفي آخر الشهر الثاني جاءت اختبارات منتصف الفصل ..

كنت وقتها واثقا" من الرسوب !!

دخلت الإختبارات وجاءت الشهادة ..

لايوجد أي مادة بتقدير ضعيف !!

من أين لك ذلك يا عبدالكريم ؟

زادت نشوتي وارتفعت معنوياتي وطموحي نحو النجاح ..

وبدأ الإرتياح النفسي يدخلني ..

وفي الشهر الثالث قدمت إلينا (أمي) للعيش معنا .

وكانت تلك اللحظات هي الأسعد في ذلك الحين ..

أحسست بالأمان والاطمئنان بعد قدومها ..

جاءت الإختبارات النهائية
اسبوعين ..

والنتائج ستظهر ظهر يوم الخميس عبر الإنترنت .

وتأتي المفاجأة !!

نجحت في كل المواد واجتزت الصف الثاني بتقدير جيد ..

كنت مشتاق للإجازة الصيفية لكي أسافر إلى جدة ..

حزمنا حقائبنا وكانت نيتي في البقاء بجدة طوال العطلة .

سافرنا ..

يومين

ثلاثة أيام

أربعة ..

اشتقت لعنيزة !!

بل إنني لم أستطع المكوث في جدة ليوم خامس !!

حتى فاضت قريحتي وكتبت ثلاثة أبيات تعبر عما في داخلي ..

قلت :

توي أعرف إن مكانتك بقلبي عزيزة
من يوم فارقتك عرفت قدر المكانه

ما لقيت بغيرك انتي ولا أي
ميزة
غير غربة مغترب مفارق
أوطانه

ماهو انتي يا الحبيبة إلا انتي
ياعنيزة !!
يا مدينة الحب وخاطره
ووجدانه ..

وبدأت بعدها في المحاولات مع أهلي للعودة إلى عنيزة وبأسرع وقت !!

باءت محاولاتي بالفشل ..


ثلاثة أسابيع ومن ثم عدنا إلى عنيزة .


كان ينقصني في ذلك الوقت شيئ ما فقدته كثيرا ..

ألا وهو :

ممارسة كرة القدم .

والتي لعبتها كثيرا في جدة لدرجة اني (تمرنت) في ناديي الأهلي والإتحاد !!

كانت الصيفية الأولى التي أقضيها في عنيزة .

وفي تلك الإجازة كسبت معرفة أثنين من أعز إصدقائي حتى هذه اللحظة

يزيد النهابي وعبدالله السليم .

بدأت باللعب مع (فريق) حارتنا مباريات عدة بمعدل ثلاث مباريات لكل أسبوع ..

وفي آخر الإجازة كانت علاقتي قد تعمقت مع أكثر الأصحاب .

ومن ثم بدأت السنة الدراسية الجديدة .

الصف الثالث الثانوي طبيعي ..

لا أعرف ماذا حدث لي في تلك السنة ؟!

منذ أول يوم في المدرسة ومنذ دخولي لفصلي الجديد ..
لم (أرتح) نفسيا" !!

لا لوضع الزملاء في الفصل
ولا لطبيعة المواد الدراسية !

كنت أجلس في المقعد الثاني في الفصل .
وواضع لنفسي طموحات كبيرة في تحصيل تقدير (ممتاز) .


وفي أول إختبار في الفصل في مادة الرياضيات لم أوفق في أداءه وأبلغنا معلمنا بالدرجات في ثاني يوم حيث حصلت على درجة 9 من 15 ..

طلبت من المدرس إعادة الإختبار فرفض قطعا إعادته !!

حتى (تحطمت) من داخلي وأخذت بقية الإختبارات على أنها تأدية واجب لا أكثر !!

لأن نقص 6 درجات في مادة الرياضيات ينقص كثيرا من المعدل ..

كانت غلطة كبيرة بل كان يفترض علي أن أقاتل في بقية المواد للحصول على أعلى الدرجات ..
ولكن .. قدر الله وما شاء فعل .


في آخر الفصل رجعت بمكاني إلى الصف الأخير !
وهناك تعرفت على أحد أعز أصدقائي حاليا
خالد ماضي العتيبي .
والذي كان يجلس في آخر الفصل لعدم حرصه على الدراسة والتعليم كبقية الطلاب !



وفي الفصل الدراسي الثاني دخلت وأنا أظمر في نيتي إعادة السنة !

وعلى الرغم من معارضة الجميع لي إلا أنني أصريت على إعادتها وأكملت الفصل على الطريقة التالية :

غياب كل الأسبوع ما عدا يوم الأربعاء فأنا أحضره حتى لا أبتعد عن أجواء الدراسة !

حتى أنني هددت بالفصل من قبل وكيل المدرسة
ولكن جاءت تهديداته متأخرة في آخر (الترم) !


اختبرت مع الطلاب ولكني أكتب اسمي فقط وبلا حل ..
لأنني لم أكن أعرف شيئا !!
ورغبة مني في الرسوب ..


وفعلا جاءت النتيجة برسوبي في مادتي الرياضيات والكيمياء فقط !
ولي الحرية أيضا في حذف أحدهما ..


واجهت في العطلة الصيفية إحراجات كبيرة إمتدت قرابة الثلاثة أشهر ..

فالجميع عندما يشاهدني يسألني هذا السؤال :

هاه عبدالكريم وين سجلت ماشاءالله ؟

فيصغر وجهي حتى يصل حجمه كحبة (العدس) !

وما يكون ردي إلا

السنة الجاية إنشاءالله !!



وقبل إختبارات (الدور الثاني)
ألح علي والدي بالدخول لإختبار الرياضيات وحذف مادة الكيمياء لأنه لم يتبقى على نجاحي سوى 7 درجات !!

ووعدني بجلب مدرس خاص في هذه المادة لكي يساعدني على فهمها وإجتيازها ..

لم أرغب في ذلك ..

ولكن لم أكن أرغب في (تخييب) ظن والدي بي ..

إحترت كثيرا ..

وأخيرا قررت دخول الإمتحان من أجل والدي فقط أما عن نفسي فكانت في بالي فكرة مغايرة جدا !!

ما هذه الفكرة ؟

وما الذي حصل بعد ذلك ؟


هذا ما ستعرفونه في الجزء الثالث والأخير إنشاءالله ..